في قلب بيروت، حيث تختلط رائحة البحر برماد التاريخ، يقف فندق سان جورج شاهدًا صامتًا على تحوّلات المدينة، من زمن الرفاه والنجوم إلى ليل الحرب الطويل، ثم إلى صراع الإرادة في وجه الجشع العقاري.
افتُتح الفندق عام 1934 في عهد الانتداب الفرنسي، بتوقيع المعماري الفرنسي أوغست بيريه والمهندس اللبناني أنطوان تابت. تميّز البناء بجماله الهندسي، حيث تماهى الطابع العربي التقليدي مع الحداثة، فكانت الشرفات تظلل الحجر، وكان البحر أقرب ما يكون إلى النُزُل.
في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، بلغ سان جورج ذروة مجده. صار ملتقى لنجوم السياسة والفن من الشرق والغرب، من شاه إيران والملك حسين، إلى أم كلثوم وكيم فيلبي. في ردهاته نسجت الأخبار، وداخل غرفه خُططت القرارات، وكان دائمًا مرآةً لبيروت المزدهرة.
لكن المجد لا يصمد وحده أمام نيران الحروب. في 1975، تحوّل الفندق إلى ساحة قتال خلال ما عُرف بـ”حرب الفنادق”، وتعرّض لدمار كبير، ثم استُخدم كموقع عسكري للقوات السورية حتى منتصف التسعينيات، فخفت صوته وتشقّقت جدرانه، دون أن تُكسر روحه.
لاحقًا، ومع انطلاق مشروع “سوليدير” لإعادة إعمار وسط بيروت، طُلب من مالكه، فادي الخوري، بيع الفندق. العرض كان سخيًا، لكن الخوري رفض، متمسكًا بتاريخ لا يُقدّر بثمن. ومنذ ذلك الحين، خاض معركة قانونية وإعلامية شرسة، اتّهم فيها سوليدير بمحاولة حصاره، وعزله عن البحر ومارينا بيروت. لم يرضخ، ولم يساوم، فصار رمزًا لمقاومة تفوق قدرتها الفرد، لكنها تستمدّ شرعيتها من التاريخ.
في عهد الرئيس ميشال عون، وبعد سنوات من المماطلة، حصل الخوري عام 2020 على رخصة رسمية لإعادة ترميم الفندق، في ما اعتُبر نصرًا قانونيًا ومعنويًا له، ورسالة أن الهوية لا تُجمّد بمرسوم.
وبعد نحو ثلاثة عقود من الصمت، عاد سان جورج في 25 أيار 2025 ليفتح أبوابه من جديد، في حفل رسمي رُعِيَ بحضور وزيرة السياحة لورا الخازن لحود، وشخصيات سياسية ودبلوماسية رفيعة. عاد الفندق، ليؤكّد أنّ الحق لا بدّ أن ينتصر في وجه الغطرسة وأنّ التاريخ لا يُشترى وأنّ الحفاظ على الذاكرة أثمن من إعادة إعمار.