• *يُعتبر العلاج بالموسيقى من العلاجات الفنية التي تُحفِّز بشكل أساسي على التعبير. فالموسيقى هي من أكثر الفنون قرباً من الإنسان وهي تساعد على الإسترخاء والتواصل. للإضاءة على تأثير الموسيقى على الإنسان ذهنياً ونفسياً وجسدياً وعلى أهمية العلاج بالموسيقى، كان لنا هذا الحديث مع د.لينا رياشي حداد المتخصصة في علم النفس العيادي والمعالِجة بالموسيقى والأستاذة الجامعية.
  • *نستهلّ حوارنا بالسؤال عن العلاقة بين الموسيقى والشعور بالأمان، إذ تشير د.رياشي أنّ الموسيقى تذكّرالإنسان بالأمان الذي كان يشعر به وهو في رحم الأم، حيث كان يسمع دقات قلبها وصوت الماء في داخل الرحم، فتلك الأصوات تُعتبر العناصر الموسيقية الأولى التي يسمعها الجنين وهي مرتبطة بشكل أساسي بالشعور بالأمان الذي يبحث عنه الإنسان دوماً باللاوعي. وخلال العلاج بالموسيقى يعتمد المعالج على عناصر موسيقية مختلفة كالإيقاع والنغم والسرعة والتآلف الموسيقي وأصوات الآلات والصوت البشري كما الترددات الصوتية، فيستخدم جميع هذه العناصركأدوات باستطعاتها التأثيرعلى الإنسان جسدياً و نفسياً من خلال الذبذبات التي تحفّزه على التعبير.

يمكن لجلسات العلاج بالموسيقى أن تكون فردية أو جماعية وهي على نوعين: العلاج التفاعلي بالموسيقى (Musicothérapie active) التي يقوم خلالها المريض بالحركة والعزف والغناء، والعلاج الإنعكاسي بالموسيقى (Musicothérapie receptive) التي يستمع خلالها المريض إلى موسيقى ويقوم المعالج بمساعدته على استحضار صور ذهنية معيّنة ثم يجري معه حواراً ليقوم على أساسه بالتحليل المطلوب.تعتمد العلاجات بالموسيقى على طرق التحليل النفسي كال (Guided imagery)  أوالتخيّل الموجّه، وعلى ال(Mindfulness)  أو التيقّظ ومنها ما يَستخدم طرائق التربية الموسيقية مثل (Orff)  و (Dalkroz)  التي تركّز على الإيقاع والحركة، كما ويعتمد بعض المعالجين على الCBT وهي نظرية العلاج المعرفي السلوكي حيث باستطاعتهم استخدام الموسيقى في حالات المشاكل السلوكية والتوحّد.

أما عن الأشخاص الذين يمكن أن يستفيدوا من العلاج بالموسيقى فَهُم كُثر: الفئة الأولى هم الأطفال المصابون بالتوحّد (Autisme)  والحركة المفرطة (Hyperactivité) كذلك الذين يعانون من إعاقات ذهنيّة وجسديّة، كون الموسيقى تحرّك مناطق معيّنة في الدماغ، كما تساعد بشكل كبيرعلى التعبير والتواصل وخاصة عند مرضى التوحّد.

أما عند المراهقين والبالغين فالموسيقى تساعد في عدة حالات كالإدمان والإنحراف والإكتثاب والقلق وأما عند المسنّين فهي تساعد مرضى الألزهايمر(Alzheimer) والباركنسون (Parkinson) لا يمكن أن ننسى أهمية العلاج بالموسيقى لمرضى السرطان إذ تساعدهم على تخفيف الألم وحتى الأشخاص الذين لا يعانون من اضطرابات حادة يمكنهم أن يستفيدوا من العلاج بالموسيقى كونها تساعدهم على أن يتحكّموا بمشاعرهم ويديروا القلق الذي يعانون منه، فالموسيقى تساعد على إفراز مادتي الدوبامين (Dopamine)  والسيروتونين (Sérotonine) في الدماغ المسؤولتين عن الشعور بالفرح والإسترخاء.

كما تشرح لنا د.رياشي كيف يختلف العلاج بالموسيقى بين شخص وآخر، فبعض الأشخاص يفضّلون نوع  موسيقي معيّن واستخدامها خلال العلاج يساعد بشكل فعّال على التفاعل وخاصة مع مرضى الألزهايمر. فخلال جلسات العلاج لهؤلاء المرضى، غالباً ما يسأل المعالج الأقارب عن الموسيقى المفضّلة لدى المريض، وباستخدامها يمكن أن يستدعي الأجزاء العميقة في الدماغ التي لم تتأثر بالمرض ويمكن أن يثير الذكريات السعيدة ومشاعر الفرح، مما يشجّع المريض على التجاوب. يُستخدم عادة العلاج بالموسيقى التفاعلي مع الأطفال كونهم بحاجة للتعبير من خلال الحركة واستخدام الآلات، أما عند الفئات العمرية الأخرى فالميل يكون أكثر نحو العلاج بالموسيقى الإنعكاسي لكن بإمكاننا استخدام النوعين.

أما بالنسبة لتأثير الموسيقى على الدماغ وعلى جسم الإنسان، تشير د.رياشي أنّ الموسيقى تساعد الدماغ على إفراز مادتي الدوبامين والسيروتونين المسؤولتين عن الإستقرار والفرح، كذلك تساعد على تخفيض نسبة الكورتيزول والأدرينالين وبالتالي تخفّف من التوتر. وفي بعض الحالات كالألزهايمر والباركنسون تلعب الموسيقى دوراً في إنشاء دائرة إفتراضية بين الخلايا العصبية التي تعرّضت للنشاف، إذ انّ الأماكن الدماغية المسؤولة عن تحليل الموسيقى بإمكانها أن تعيد إحياء الأماكن المسؤولة عن الكلام ولو بطريقة آنية، كون وحدات الدماغ التي تخدم الموسيقى واللغة تسلك مسارات ملتصقة ومتشابهة.

أما بالنسبة للشخص المخوّل أن يقوم بالعلاج بالموسيقى، فيجب أن يكون شخصاً حائزاً على شهادة بالعلاج بالموسيقى ويمكن أن تكون لديه خلفية علمية أساسية مرتكزة إما على الطب أوعلى العلوم والتربية الموسيقية أو على علم النفس.

أخيراً تضيء د.رياشي على أبرز الحالات الطبية التي تساعد الموسيقى في علاجها، مشيرة إلى أنّ الموسيقى تحسّن وتحافظ على الرفاه النفسي والجسدي وهي علاج مكمّل، فهي ليست موجودة لتحلّ مكان العلاجات الطبية بل تشكّل محفّزاً ومساعداً لها. وقد أثبتت الدراسات العلمية فعاليتها في حالات كثيرة كتخفيف حدة التوتر لدى مرضى السرطان واسترجاع بعضاً من الذاكرة الكلامية لدى مرضى الألزهايمر واسترجاع بعضاً من الذاكرة الحركية لمرضى الباركينسون.